شقاوة بنات

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

للشقاوة حلاوة


    ميلاد الشهيد

    جنون
    جنون


    عدد المساهمات : 36
    تاريخ التسجيل : 10/10/2010

    ميلاد الشهيد Empty ميلاد الشهيد

    مُساهمة  جنون الأربعاء نوفمبر 03, 2010 11:10 pm


    ميلاد شهيد



    سلام يا عرب سلام ..لا نريد إلا السلام
    أرضنا الخضراء زرعها الصهيوني المغتصب أشواك رواها
    بدم الشهيد
    حناها بدموع الأرامل والأمهات الثكالي
    قسمها مدابح ومجازر محي معالم بلدي إغتصب أحلامي
    العدو الغادر ناقض العهود سارق الأمل في القلوب
    أقسم بدم كل شهيد كان في يوم بيننا وليد
    ضحي بنفسه في سبيل حرية وطنه
    ستعود الارض ستعود الكرامة
    ذات يوم ليس ببعيد
    اسمحوا لي أن أعرفكم بنفسي ..


    اسمي ليس أهم من قضية بلدي أنا مجرد إنسانة ولدت هنا وسأعيش ماقدر لي من عمري هنا ويوماً قريباً أو بعيداً سأدفن هنا تحت هذا التراب الطاهر وبين هذه الأطلال العامرة بأرواح شهدائها ...
    أعيش في قرية صغيرة حكت لي أمي عنها كثيراً أنها كانت يوماً خضراء بأشجارها الوارفة المثقلة بالخير علي كافة ألوانه وأشكاله ولكنها الآن مجرد أثراً يحكي مجداً زائلاً بعد عين ..


    ولكن مالم يتغير في قريتنا الصغيرة هذه هو جمال علاقاتنا ببعضنا البعض فكلنا يد واحد وكلنا للسعادة والفرح وأيضاً نتآزر في الحزن والترح وما أكثره هنا ..وذات يوم سمعت زغاريد تصدح في الجوار فانقبض قلبي وهرولت مسرعة لأمي أستوضحها فالزغاريد هنا لا تعني إلا الموت أو الميلاد.. ولكن طمأنتني أمي عندما رأتني علي شفا الإنهيار في البكاء كمشاركة وجدانية مسبقة لجيراننا..ـ اهدأي الزغاريد في دار جارنا علي لقد أنجبت زوجته زبيدة صبياً والجيران مجتمعون عندهم الآن يباركون ميلاد الصغير ويدعون لأمه بالسلامة بعد العسرة التي أصابتها في الولادة ليلة أمس والحمد لله هي والصبي بخير ..و..ولكن الأم لم تجد ابنتها التي كانت للحظة واحدة واقفة أمامها ابتسمت وهي تدرك سر رغبتها بالإسراع لرؤية المولود، المسكينة لا يكاد يمر يوم بدون حزن وبكاء علي شهيد أو مفقود في كل بيت والفرح نادر ندرة الماء في الصحراء رأيت وأنا أقترب من أصوات الزغاريد عم علي يقف في فسحة داره يوزع الحلوي والسكاكر علي أطفال الحي والفرحة تكاد تقفز من وجهه الصبوح الطيب لعله يتخيل ولده بعد سنوات سيصبح مثل هؤلاء الأطفال سيلهوو يركض مثلهم بين الأطلال والحجارة التي استبدلها الصهاينة علي مدي سنوات وسنوات بأشجار الزيتون والرمان ..وأنا من مكاني هنا أكاد أسمع صوت تنهيدته التي تكاد تمزق صدره وهو يراقب تحركات رجال الإحتلال يلوحون ببنادقهم وكأنهم يتوعدونه بدفع ثمن لحظات فرحه هذه دماً ..

    تسللت من بين حشود الأطفال لداخل المنزل حيث عدت لأتسلل مجدداً بين حشود النسوة الاتي أتين للمشاركة في فرحة أهل الدار فالخالة زبيدة لا تترك مناسبة فرح أو ترح إلا وتكون من أول المشاركين فهذه عاداتنا التي لا زلنا نحافظ عليها كمحاولاتنا المستميتة الحفاظ علي أرضنا الغالية..ـ عم علي ..يا عم عليالتفت أبا المولود السعيد ليري من يناديه ثم ابتسم لها ـ مبروك يا أبو محمد عقبال ما تفرح به وهو عريسـ ليس قبل أن أفرح بك أنت عروس أيتها الشقية خذي حلوي ـ لا شكراً لقد أعطتني الخالة زبيدة بعد أن سمحت لي بحمله وقالت لي أنك أسميته محمداً ونعم الإسم يا أبا محمد..ـ نعم يا عزيزتي لعل الله يبارك لنا فيه، فخير الأسماء ما حمد وعُبدـ ياعم أبو محمد لقد وعدتني خالتي زبيدة أن تسمح لي بمساعدتها في العناية به كل يوم إذا انهيت دروسي هل توافق ؟سألها مدهوشاً من طلبها ـ ولماذا تريدين العناية به يا بنيتي هل تظنينه لعبة ـ كلا يا عمي ولكنه ....صغير جداً ويبدو لي كملاك طاهر...وأنا أريد مساعدة الخالة زبيدة ...لاحظ أبو محمد عينا الفتاة المتوسلتان تكاد قطرات الدموع تطفر من بين أهدابها فهز رأسه موافقاً ـ حسناً ولكن لابد من موافقة والديك ودروسك تأتي في المقام الأول قفزت الفتاة من السعادة وهي تؤكد له أنها لن تقصر أبداً بل ستكون دائماً من المتفوقين..

    ورحت أحلم كيف سأعتني بالصغير كيف سأهدهده وكيف سأعلمه كل ما أعرف لن أتركه أبداً سأصحبه معي في كل مكان عندما يشتد عوده ، سيكون كطفلي الصغير ...ويوماً بعد يوم كبر محمد ماشاء الله عليه شوفوا كيف صار عمره يا دوب سنتين وماشاء الله عليه ولا ولد الخمس سنين ...كنت أتضايق كلما سمعت تلك الكلمات من أفواه النسوة كالأم التي تخشي علي صغيرها من الحسد ورغم ذلك كنت أشعر بفخر كبيرلقد شب الرضيع عن طوقه وصار يحبي وسنة أخري مع سنة معها ركض الصبي ولم يقدر أحد علي اللحاق به ما عدا انا طبعاً فكانوا يسمونني ظل محمد وأحيانا أم محمد ...في ذلك اليوم دخلت خالتي زبيدة لبيتنا بعد عدة طرقات خلعت قلوبنا من فرط قوتها قابلتها أمي بشهقة فزع من شدة شحوب وجهها وكأن مصيبة ألمت بها ـ خير يا أم محمد ...قالت أم محمد بصوت مرتعش ونظراتها تجول في المكان وكأنها تبحث عن شئ ـ محمد ولدي هل هو هنا ..كان دوري في اصدار صرخة فزع أنا الأخريلأ ...كنت أنتظر الأنتهاء من واجباتي كما اعتدت ثم أمر بكم لأصحبه في جولتنا المعتادة ...يا ويلي أين ذهب هزت زبيدة رأسها صائحة في شبه نواحـ لا أدري كنت أتمني أن أجده عندك كان يلعب مع أترابه أمام المنزل وسأل عنك كثيراً لذلك أملت أن أجده هنا ...وفجأة لمعت فكرة في رأسي فملأت رئتي بالهواء وأنا أهدئ الأم المنهارة ..ـ عودي لبيتك يا خالتي زبيدة أنا أعرف أين هو صاحت الأم بلهفة ـ تعرفين...قولي يا ابنتي ...أين ؟..أين؟ ..ولكن الفتاة لم تنتظر وطارت علي جناح السرعة وهي تقسم في نفسها أن تذيق ذلك العفريت الصغير علقة ساخنة لم يتذوقها في حياته ...تعثرت أكثر من مرة في ركام المنازل المتهدمة التي انهارت تحت جنازير الجرافات الصهيونية الظالمة ورغم أنها تعرف مكان كل حجر في هذا المكان ولكن لهفتها علي محمد نحت حذرها جانباً حتي وقفت لاهثة تراقب الجسد الصغير وقد ألقي جبينه علي السياج الفاصل وغرزت أصابعه بين فتحات السلك الشائك يضغط بكل ما يملك من قوة وكأنه يحاول بهمته الصغيرة عمل لا يقوم به إلا الرجال في بلده ...

    اقتربت منه أكثر فلمحت من جانب وجهه قطرات متلألأة من الدموع تجري علي وجنتيه الحمراوين النديتين يراقب جنود الصهاينة المدججين بالسلاح وهم يقتادون بعض شباب المقاومة بكل قسوة وجبروت منتهكين آدميتهم وكرامتهم دون أن يرف لهم جفن.. ربتُ علي كتفه لأهون عليه وفوجئت عندما لم ينتفض بل ظل مكانه مسمراً ..ـ محمد ..يا محمد ..سيغضب أبوك وأمك لو عرفا أنك تأتي إلي هنا لا أدري ماذا يشدك في هذا المكان ..هيا يا صغيري بالله عليك هنا انتفض الصبي مبتعداً عنها وقد كور قبضته الصغيرة في وجهها ملوحاً بغضب ـ لا تلقبيني بالصغير لقد صرت رجلاً ركعت أمامه واحتويت وجهه الغاضب بين راحتي يدي ـ يا ويلي منك يا محمد ومن أفكارك عمرك ست سنوات فقط و أه...حسناً كما تشاء ..وهل من تصرفات الرجال الخروج إلي أماكن مجهولة دون إخبار أمهم وتركها تبكي وتبحث عنه في كل بيت .. رد الفتي بعنادـ لو قلت لها ما وافقت أبداً هي وأبي يكرهان تواجدي هنا ـ ولديهم وجهة نظر سديدة وهى خوفهم عليك فهذا المكان لا يتناسب مع أطفـ....أعني رجال في سنك..قصار القامة رنا محمد بنظرة جانبية عبر السياج وعادت دموعه سيولاً هامساً بقهر وانكسارـ متي ..متي سنخرجهم من أرضنا..همست بزهول وأنا أراقبه يركض عائداً من دون أن يمسك بيدي كعادتنا ـ يا إلهي ...هل كبرت يا محمد بهذه السرعة ...بدري عليك يا أخي الصغير حمل كل هذا الهم ..يا ويل أمك يا محمد ..

    في تلك الليلة عزف محمد عن الطعام ولاحظ أبواه شروده فهمّت الأم بحثه علي الأكل ولكن يد زوجها امتدت لتقاطعها ـ ضعي الطعام لأمي يا زبيدة وأنا سأهتم به أطاعته زوجته وخرجت من الغرفة وهي تسترق النظر نحو ولدها الشارد ذهنه فينفطر قلبها ولا تدري لماذا ..انتبه محمد من شروده علي صوت والده ـ محمد يا ولدي لم لا تأكل ألا يعجبك طعام والدتك ـ لا شهية لي يا أبي ـ ولكنك لم تأكل شيئاً طيلة النهار قالت أمك أنك اختفيت عدة ساعات حتي أعادتك جارتنا بارك الله لوالديها فيها ولكــ....قاطعه محمد بلهفة وتصميم ـ أبي أريدك أن تشتري لي بندقية تراجع الأب من مكانه مذهولاً وراح يردد وكأنه غير مصدق ما تلفظ به طفله الصغير من كلمة هي أبعد ما تكون عن مرتع لعبه ولكن ملامح الصغير لم يكن لديه أدني شك في جديتها ـ بندقية ..بندقية ..هل قلت بندقية يا محمد ..هل جننت يا ولديتراجع الصبي عن حدته ـ أقصد بندقية لعبة تشبه الحقيقية لأتمرن عليها قتل الصهاينة الأشرار لأطردهم من بلادي وعندما أكبر سأشتري لنفسي بندقية حقيقية كالتي يحملها الأوغاد الذين نجسوا أرضنا الخضراء وحّرقوا زرعها الأخضر وزرعوا بدلاً منه أطلالاً من الركام الذي كان يوما منازل وبيوت لأهلنا وجيراننا والآن أصبح مقابر لهم عاد الأب يرد مذهولاً ـ من علمك هذا الكلام يا محمد ـ علمتني عيناي يا أبي ...عيناي التي رأت ما يشيب له الولدان وعلمني قلبي الذي مزقته زغاريد أمهات الشهداء كل يوم ودموعهن تغسل أجسادهم الطاهرة المسجاة علي الأرض تدوسها أحذية الملاعين بكل تجبر وتشفي...ها يا أبي هل ستشتري لي البندقية ..شد الأب إبنه يضمه لصدره بقوة وكأنه يود لو يخبئه بين ضلوعه لو يحميه من أفكاره لو يعيده رضيعاً ولا يسمح له أن يكبر يوماً واحداً ...لو كان يملك مدافع الدنيا لخرج الآن وأفرغ خزائنها كلها في صدور من سرق من ولده الصغير طفولته كما سرق أرضه ويحاول نهبه كرامته وكرامة أجداده أعاد محمد السؤال ببراءة غير مدرك العاصفة التي أحدثها في قلب والده فمسح الأب دموعه خلسة ورد بهدوء ـ نعم يا محمد ..سأشتريها لك فهي أهم من شراء الحليب لأختك والأكيد أيضاً أنها أهم من دواء جدتك التي هي في أمس الحاجة إليه نعم الأهم أن تتمرن علي قتل الصهاينة الأوغاد أليس كذلك يا بني ..أطرق محمداً رأسه بانكسار مدركاً حقيقة وضعهم المالي الضعيفة ـ كلا يا أبي دواء جدتي أهم وكذلك حليب أختي الصغيرة ـ بارك الله فيك يا بني خرج الصبي مسرعا يخفي دموعه حتي كاد من سرعته أن يوقع أمه التي تصادف دخولها في ذات الوقت ولكنها تنحت في آخر لحظة ونظرت لزوجها متسائلة بصمت ودهشة فهز رأسه متمتماً ـ لقد كبر محمد يا أم محمد ... ادعي الله معي ليعيننا علي ما هو آت ..

    دفن محمد رأسه تحت وسادته كاتماً شهقاته الباكية حتي أحس بيد تربت علي ظهره فأسرع بمسح دموعه بكم قميصه ثم التفت محاولاً اخفاء ملامح الإنكسار عن وجهه فقد ظن والده أتي ليستأنف حديثه معه ولكنه فوجئ بوجه جدته وابتسامتها الحنون تحفر طريقها بين أخاديد وجهها الذي غضنته سنوات وسنوات من الدموع علي من فُقد ومن استشهدـ محمد يا صغيري ماذا بك ..هل كنت تبكي ـ أنا بخير يا جدتي ...لماذا لم تنامي بعد ـ سمعت صوتك وكأنك تبكي فقلقت عليك ولكن الحمد لله أنك بخير سأتركك الآن لتنام وأنا أيضا ..حماك الله يا ولدي ..أه.. محمد متي سيحل العيد هل تصدق لقد نسي عقلي العجوز هل هو بعد يوم أو.. رد محمد مقاطعاً ـ بل بعد يومين يا جدتي ..ـ أأه حقاً ...يا لها من أيام مباركة يستجاب فيها الدعاء ..لو أردت شيئاً يا ولدي ادعي الله فهذه الأيام مستجاب فيها الدعاء ..أي شئ تريده ’سيتحقق ..أجاب الصبي بلهفة ـ أحقاً يا جدتي ..أي شئ ..أي شئ..ـ نعم يا ولدي أي شئ وما طلبت ستجده بعد صلاة العيد تحت وسادتك...ردد الولد مذهولاً ـ تحت وسادتي ..أحقاً يا جدتي ـ نعم يا ولدي ولكن شرط أن يكون قلبك صافيا في الدعاء وبعد صلاة العيد ستجد ما طلبت , تصبح علي خير يا ولدي ..تمتم محمد شارداً وهو يردد كلمات جدته غير مصدقـ أي شئ ..أي شئ...سأدعو الله أن يكون عندي بندقية في العيد لأتمرن عليها قتل الصهاينة ..يا رب حقق مطلبي ..

    ولأول مرة ينتظر محمد العيد بلهفة طفل في سنه ومر اليومان عليه كدهراً وكلما مر بجدته يلاحظ ابتسامتها الطيبة والتي تدعوه ليصبر ويدعوا فيتنهد ويحرك شفتيه بالدعاء وعيناه محلقتان في السماء وأخيراً حل العيد لم ينم محمداً ليلته حتى آذان الفجر فأسرع بارتداء جلبابه الأبيض وطاقيته البيضاء ثم إلتفت لأمه التي تراقبه بشرود ـ ما رأيك يا أمي ..اغرورقت عيناها بالدموع وهي تري مدي وسامة ابنها الصغير وطلته المشرقة ولم تصدق نفسها وهي تتأمله وكأنه زاد من عمره سنوات...فراحت تتمتم بشهقات مكتومةـ ماشاء الله ...ماشاء الله لاقوة إلا بالله ..إذهب يا ولدي الله يحرسك من العين..هيا أسرع والدك يتعجلك..هم محمد بالتحرك نحو الباب وسار خطوتان مترددتان ثم التفت برأسه يحدق في أمه بنظرات غريبة وهمس قبل أن يركض لاحقاً والده..ـ وداعاً يا أمي ..ورغم الحصار والبنادق والمدافع المحيطة بهم في كل مكان ملأت الفرحة القلوب بالعيد وعلت أصواتهم بالتهليلات والتكبيرات وكذلك بالدعوات الصادقة أن يزيح الله عنهم الغمة وينعم عليهم بالخلاص.. وفي طريق العودة كاد محمد يطير فوق الأرض من فرط لهفته للعودة لبيته حتي أن والده استوقفه صائحاً محاولاً اللحاق بخطواتهمهلك يا ولدي لم العجلة لقد خلق الله الدنيا في ستة أيام صاح الفتي بلهفه ـ أسرع يا أبي لابد أن أري ما تحت الوسادة تسائل الأب بتعجب لاهثاً دون أن يتوقف عن محاولاته للحاق بخطوات إبنه المتسارعة ـ وسادة..!!! أي وساده يا محمد ..؟ولكن ضاعت تساؤلات الأب أدراج الرياح والولد يزيد من سرعته عند اقترابهما من المنزل .أسرع محمد لغرفته لاهثاً تكاد أنفاسه تتقطع ولكنه توقف فجأة محملقاً في الوسادة وكأنه يخشي الإقتراب منها ولم يلاحظ والده وجدته يراقبانه بصمت من خارج الغرفة ..اقترب الهوينا من الفراش ثم أخذ يتمتم بكلمات غير مفهومة وبعدها فتح عينيه ومد يده ورفع الوسادة...وفجأة شهق بضحكة طفل تشع لها الحياه ومد يده والتقط البندقية للحظات ظل يتأملها ثم التفت لوالده وجدته ـ جدتي ...لقد استجيبت دعواتي لقد وجدت البندقية تحت وسادتي كما قلتي لي..أبي أنظر ما أجملهلها تكاد أن تكون حقيقيةنظر الأب للجدة نظرة مؤنبة فتجاهلتها وهي تتقدم للصبي وتضمه لصدرها بقوة ثم أفلتته عندما أخذ الصبي يتململ ـ يا جدتي لم أعد طفلاً الآن لقد صار عندي بندقية وعندما أتمرن عليها جيداً سأدعو الله مرة أخري أن يعطيني بندقية حقيقية تدخل الأب معترضاً ـ ولكن يا محمد..قاطعته أمه ـ دعه يفرح بلعبته يا علي دع الصبي إنه يذكرني بك وأنت في مثل عمره بل كنت أكثر حماسة منه ..دعه يا ولدي..تنهد علي ثم ربت علي كتف محمد ـ عيدك مبارك يا ولدي اذهب والعب مع اصحابك ولكن تذكر لا تقترب من السياج..يا محــ... لقد ذهب الولد ما به متلهفاً هكذا

    لم ينتظر محمد ليسمع بقية كلام والده بل أسرع بالخروج ليجرب بندقيته وليتباهي بها أمام أصحابه الذين التفوا حوله مبهورينفازداد تيهاً بها وراح يعرضها عليهم مزهوا ويوضح لهم مميزاتها وقدراتها القتالية ـ هه ما رأيكم بها أقسم أنها لو كانت حقيقية لاصطدت بها الصهيوني من علي بعد مائة متر تعالوا سأريكم بنفسي..وسار أصدقاءه خلفه حتي اقتربوا من السياج فصاح أحدهم ـ انتظر يا محمد غير مسموح لنا الاقتراب هل نسيت ما حذرنا منه أهلنا تراجع يا محمد ـ رد محمد متباهيا ..لا تخف يا مازن لن أقترب أكثر سأريك فقط كيف يمكنني رؤية ذلك الصهيوني خلف السياج من نظارة البندقية المعظمة ..سيبدو واضحاً بالتالي سيمكنني قتله حتي قبل أن يدرك هو ما يحدث له ..واقترب محمد خطوتان اضافيتان وعيناه مثبتة خلف نظارة البندقية المعظمة وانشغل بضبط زوايا الرؤية فلم يسمع تحذيرات أصحابهوحتي حركات الجنود المذعورة خلف السياج لم تلفت انتباهه وفجأة رأي في نظارته معني كل مايحدث حوله ولكن لا يصدقه عقل حتي عقل محمد الصغير لم يستوعبه فكيف لجندي أن يصوب بندقيته الآليه علي طفل يلهو بلعبته بين أقرانه لذلك وقف محمد مسمراً فلم يحاول حتي أن يهرب كما فعل أصحابه بل ظل في مكانه ثابتاً مصوباً فوهة بندقيته لصدر ذلك الجندي ...

    فجأة لم يعد محمدً يشعر بشئ حتي فوجئ ببقعة دم حمراء تنتشر علي صدره ...ظل مكانه ثابتاً رغم شعوره بالحياه تتسرب من جسده الطاهر فقد صمم أن يطلق طلقته هو الآخر وبما تبقي لديه من قوة ضغط أصابعه الواهنة علي زناد بندقيته فأطلقت أصوات وأنوار ولكنها لم تصيب الصهيوني وانهار جسد محمد الغض أرضاً وابتسامة النصر ترتسم علي شفتيه لقد حقق حلمه ..لقد حقق حلمه الصغير وروي أرضه الطيبة بدمه الطاهر..صمت أذناي علي أصوات الزغاريد فهي لا تعني إلا موت شهيد أو ميلاد وليد وهي اليوم تصدح في كل منزل حبي فيه الوليد و مشي فيه صبيا أو ركض فيه محمداً
    الشهيد محمد بن علي ذي الستة أعوام فقط
    ~~~~~~~

    مع تحياتي

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 12:48 am